لقد شهد نظام التعليم في سلطنة عُمان تحولاً جذرياً منذ بداية عصر النهضة الحديثة في عام 1970 تحت القيادة الحكيمة لجلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراه-، حيث انتقل من نظام تعليمي تقليدي يعتمد على الكتاتيب والمدارس الدينية المحدودة إلى نظام تعليمي متكامل يواكب أحدث المعايير العالمية.
ويمكن القول إن هذا التحول الكبير لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة تخطيط استراتيجي طويل الأمد ورؤية واضحة جعلت من التعليم أولوية وطنية. وقد تجسد ذلك في سلسلة من الإصلاحات الهيكلية والاستثمارات الضخمة في البنية التحتية التعليمية وتأهيل الكوادر البشرية.
واليوم، يقف النظام التعليمي العُماني شامخاً كواحد من أكثر الأنظمة تطوراً في المنطقة، حيث نجح في تحقيق معدلات قياسية في الالتحاق بالمدارس ومحو الأمية، كما حقق نقلة نوعية في جودة التعليم ومخرجاته. وهذا المقال سيتناول بالتفصيل مراحل هذا التطور، مع التركيز على الأدوار المحورية التي لعبها مختلف أصحاب المصلحة في هذا التحول التعليمي الكبير.
1. تطور النظام التعليمي من المدارس التقليدية إلى التعليم الحديث
أ. التعليم في عُمان قبل النهضة الحديثة
قبل عام 1970، كان المشهد التعليمي في عُمان يعاني من شح شديد في الموارد والإمكانيات، حيث اقتصر التعليم على عدد محدود من الكتاتيب التي كانت تقدم تعليماً أساسياً يركز بشكل رئيسي على تعليم القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة البسيطة.
وكانت هذه الكتاتيب تتركز في المدن الكبرى مثل مسقط وصحار، بينما كانت المناطق الريفية والنائية تعاني من نقص حاد في أي شكل من أشكال التعليم النظامي. كما كان تعليم البنات شبه معدوم، حيث لم تكن هناك سوى حفنة من المدارس التي تقبل الفتيات، وكانت غالباً ما تقتصر على أبناء العائلات الميسورة.
ب. التحول نحو التعليم النظامي الحديث
مع بزوغ فجر النهضة الحديثة في عام 1970، أطلقت الحكومة العُمانية سلسلة من الإصلاحات الشاملة التي غيرت وجه التعليم في البلاد. وقد تمثلت الركائز الأساسية لهذه الإصلاحات في إنشاء بنية تحتية تعليمية متكاملة، حيث تم بناء المدارس في جميع أنحاء السلطنة، بما في ذلك المناطق النائية التي كانت محرومة سابقاً من أي خدمات تعليمية.
كما شملت هذه الإصلاحات تطوير المناهج الدراسية لتواكب متطلبات العصر، حيث تم إدخال مواد حديثة مثل العلوم والرياضيات واللغات الأجنبية إلى جانب المواد التقليدية. وقد رافق ذلك استثمار كبير في تأهيل المعلمين، حيث تم إرسال بعثات تعليمية إلى الخارج لرفع كفاءة الكوادر التعليمية.
ج. التعليم في عُمان اليوم
اليوم، يمتلك النظام التعليمي في عُمان هيكلاً تنظيمياً متكاملاً يبدأ من التعليم الأساسي الإلزامي الذي يمتد لعشر سنوات، يليه التعليم ما بعد الأساسي لمدة عامين. كما يشهد التعليم العالي نمواً مطرداً مع وجود العديد من الجامعات الحكومية والخاصة، على رأسها جامعة السلطان قابوس التي تعد صرحاً أكاديمياً رائداً.
وقد أولت الحكومة اهتماماً خاصاً بالتعليم التقني والمهني، حيث تم إنشاء العديد من الكليات والمعاهد المتخصصة لتلبية احتياجات سوق العمل المتغيرة. كما تم دمج التكنولوجيا الحديثة في العملية التعليمية من خلال مبادرات مثل "حاسوب لكل طالب" و"المدارس الذكية".
2. دور الحكومة في دعم التعليم
أ. مجانية التعليم الأساسي
تتبنى الحكومة العُمانية سياسة التعليم المجاني كأحد الركائز الأساسية لاستراتيجيتها التنموية، حيث يتم توفير التعليم المجاني لجميع المواطنين في مراحل التعليم الأساسي. وقد ساهمت هذه السياسة بشكل كبير في تحقيق معدلات الالتحاق بالمدارس التي تقترب من 100% في العديد من المراحل الدراسية.
كما تم تخصيص ميزانيات ضخمة لتغطية جميع تكاليف التعليم، بما في ذلك الكتب المدرسية والزي المدرسي، مما ساعد في تخفيف العبء المالي عن الأسر وخاصة تلك ذات الدخل المحدود. وقد انعكس ذلك إيجاباً على معدلات الاستمرار في التعليم، حيث انخفضت نسبة التسرب من المدارس بشكل ملحوظ خلال العقدين الماضيين.
ب. البنية التحتية والتكنولوجيا التعليمية
أدركت الحكومة العُمانية مبكراً أهمية البنية التحتية التعليمية المتطورة، فقامت ببناء آلاف المدارس المجهزة بأحدث المرافق في جميع أنحاء السلطنة. ولم تقتصر هذه المدارس على توفير الفصول الدراسية فحسب، بل شملت أيضاً المختبرات العلمية، المكتبات المزودة بأحدث المصادر المعرفية، والملاعب الرياضية.
وفي إطار مواكبة الثورة التكنولوجية، أطلقت الحكومة عدة مبادرات لدمج التكنولوجيا في التعليم، مثل مشروع "حاسوب لكل طالب" الذي يهدف إلى توفير أجهزة حاسوب لجميع الطلاب، وبرنامج "المدارس الذكية" الذي يحول الفصول التقليدية إلى بيئات تعلم تفاعلية باستخدام أحدث التقنيات التعليمية.
ج. دعم الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة
تمثل رعاية الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة أحد الجوانب المشرقة في النظام التعليمي العُماني، حيث أنشأت الحكومة مراكز متخصصة لرعاية هذه الفئة ودمجها في النظام التعليمي العام. كما تم تطوير مناهج خاصة تلبي احتياجاتهم، وتأهيل معلمين متخصصين في التعامل مع مختلف أنواع الإعاقات.
وقد شمل هذا الدعم توفير وسائل النقل المجانية، والأجهزة المساعدة، والمنح الدراسية الخاصة بهم، مما ساعد العديد من الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة على تحقيق إنجازات أكاديمية لافتة.
3. إنجازات عُمان في محو الأمية وتعزيز التعليم للجميع
أ. محو الأمية
تمكنت سلطنة عُمان من تحقيق إنجاز تاريخي في مجال محو الأمية، حيث انخفض معدل الأمية من حوالي 70% في مطلع السبعينيات إلى أقل من 5% في الوقت الحالي. ويعود هذا النجاح الكبير إلى الاستراتيجية الشاملة التي اتبعتها الحكومة والتي شملت عدة محاور رئيسية.
فقد تم تنفيذ حملات مكثفة لمحو الأمية بين الكبار، شملت فتح مراكز تعليمية في كل قرية وحي، وتوفير فصول دراسية متنقلة للبدو في المناطق النائية. كما تم تخصيص برامج تعليمية مسائية للعاملين، وتوفير حوافز مادية للملتحقين بهذه البرامج لضمان استمراريتهم.
ب. تعليم الفتيات والمساواة بين الجنسين
يشكل تعليم الفتيات أحد أبرز النجاحات التي حققتها عُمان في مجال التعليم، حيث ارتفعت نسبة التحاق الفتيات بالمدارس من مستويات متدنية جداً في السبعينيات لتتجاوز اليوم نسبة التحاق الذكور في العديد من المراحل التعليمية.
وقد تجاوزت المرأة العُمانية دور المتلقي للتعليم لتصبح شريكاً فاعلاً في العملية التعليمية، حيث تشكل النساء اليوم أكثر من 60% من خريجي التعليم العالي، كما يشغلن مناصب قيادية في المؤسسات التعليمية. وقد ساهمت سياسات المساواة في الفرص التعليمية في تمكين المرأة العُمانية وزيادة مشاركتها في سوق العمل.
ج. الجوائز والتقدير الدولي
حظيت التجربة التعليمية العُمانية بتقدير واسع على المستوى الدولي، حيث حصلت السلطنة على عدة جوائز مرموقة في مجال التعليم. ومن أبرز هذه الجوائز جائزة اليونسكو لمحو الأمية التي حصلت عليها عُمان تقديراً لجهودها المتميزة في هذا المجال. كما أشادت تقارير البنك الدولي بالنهضة التعليمية في عُمان، معتبرة إياها نموذجاً يحتذى به في التحول التعليمي السريع والفعال. وقد تم تصنيف النظام التعليمي العُماني كواحد من أكثر الأنظمة تطوراً في المنطقة وفقاً للعديد من المؤشرات الدولية.
---
شهد نظام التعليم في سلطنة عُمان تحولاً جذرياً منذ بداية النهضة الحديثة في عام 1970، حيث انتقل من نظام تقليدي يعتمد على الكتاتيب والمدارس الدينية إلى نظام تعليمي متكامل حديث يواكب المعايير العالمية. وقد أطلقت الحكومة العُمانية سلسلة من الإصلاحات الشاملة التي شملت بناء بنية تحتية تعليمية متطورة، تطوير المناهج، تأهيل المعلمين، وتطبيق تقنيات حديثة في التعليم. كما أولت الحكومة اهتماماً خاصاً بالتعليم المجاني والمساواة بين الجنسين، حيث حققت معدلات التحاق عالية بالمدارس، خاصة بين الفتيات. واليوم، يعد النظام التعليمي العُماني واحداً من الأكثر تقدماً في المنطقة، حيث حققت السلطنة إنجازات كبيرة في محو الأمية وتعليم الفتيات، إضافة إلى تقدير عالمي لنجاحها في التحول التعليمي.
0 مراجعة